الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)
.سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة: ونائب طرسوس الأمير بيكي باك التركماني، ونائب أياس الأمير في درمش. ونائب دوركي ناصر الدين محمد بن شهري. ونائب مالطية الأمير منكلى بغا الأرغن شاوي. ونائب كختا الأمير أكزل بغا. ونائب قلعة الروم الأمير أق فجا. ونائب البيرة الأمير ألطنبغا الصفوي. ونائب الرها الأمير طور علي ابن الأمير عثمان بن طور علي، المعروف بقرايلك. ونائب جعبر الأمير عمر الجعبري. ونائب الرحبة الأمير أرغون شاه الشرفي. وأمير مكة المشرفة الشريف حسن بن عجلان. وأمير المدينة النبوية الشريف عزيز بن هيازع. وأمير ينبع الشريف مقبل بن نخبار الحسني. ونائب الإسكندرية الأمير ناصر الدين محمد بن العطار. شهر الله المحرم، أوله الأربعاء: أهل والسلطان في الصيد، فقدم إلى القلعة. وجلس من الغد- يوم الخميس- بالإيوان المعروف بدار العدل. وحضر الأمراء والقضاة وسائر أرباب الدولة. وأوقفت العساكر من المماليك السلطانية. وأجناد الحلقة، والنقباء، والأوجاقية، صفوفاً من تحت القلعة إلى باب الإيوان. وأحضر بالأمير محمد بن قرمان- وهو مقيد- ومعه داود بن دلغادر، فمرا في العساكر، ثم في الطبردارية، والسلاح دارية، وبأيديهم السلاح، حتى دخلا، فمثلاً قائمين بين يدي السلطان، وقد جلس على تخت الملك. فأمر بإيقاف الأمير دواوين بن دلغادر مع الأمراء، وتأخير ابن قرمان. ثم نهض السلطان قائماً إلى القصر، وأحضر ابن قرمان وأنعم على داود، وأركب هو ومملوك أبيه قانباي بالقماش الذهب. ورتب له ما يليق به. ثم أمر بابن قرمان فجلس، ولامه السلطان على تعرضه لطرسوس، وشرهه لما أوجب وقوعه في الأسر. ووبخه على قبيح سيرته، وتعرضه لأخذ أموال رعيته، وعلى خيانته لكرشجي بن عثمان متملك برصا، وإحراقه بعض بلاده، بعد ما من عليه وأطلقه. فسأل العفو. ثم قال: لمن يعطي مولانا السلطان البلاد؟ فضحك منه، وقال له: وما أنت والبلاد؟. ثم أمر به فأخرج إلى الاعتقال، فسجن بالقلعة. وأمر السلطان بأن يكتب ابن قرمان إلى نوابه بالبلاد القرمانية أن يسلموا ما بقى بأيديهم منها إلى نواب السلطان، وأعلم أنهم متى لم يسلموا ما قد بقي بأيديهم منها إلى نواب السلطان وإلا قتل، فكان هذا اليوم من الأيام المشهودة. وفيه قدم مبشرو الحاج، وأخبروا بأن الوقفة بعرفة كانت يوم الأربعاء بخلاف ما كانت بمصر. وأخبروا بأن حاج العراق لم يأتوا. وأن الغلاء شديد بمكة، وأن الغرارة القمح أبيعت بخمسة وعشرين ديناراً، وهي سبع ويبات مصرية. ثم انحطت لما قدم الحاج إلى عشر دينارا. وأن السمن والعسل واللحم في غاية القلة، لعدم المطر. وأن مسجدي مكة والمدينة قد تشعثا، ويخاف خرابهما. وأن الجانب الشامي من الكعبة قد آل إلى السقوط. وفي ثالثه: قدم الأميران ألطنبغا القرمشي وطوغان أمير أخور كبير من الحجاز، فكانت مدة غيبتهما تسعة وخمسين يوماً. وفي رابعه: ركب السلطان للصيد، وعاد من يومه. وقدم على بار- أحد الأمراء الأينالية من التركمان- فأكرمه السلطان، وأنعم عليه. وجهز الأمير قجقار القردمي رسولا إلى ابن عثمان متملك برصا، وعلى يده كتاب يتضمن القبض على ابن قرمان واعتقاله. وفيه استقر الأمير شاهين الزردكاش نائب حماة في نيابة طرابلس. واستقر في نيابة حماة عوضه الأمير أينال السيفي نائب غزة. واستقر عوضه في نيابة غزة الأمير أركماس الجلباني أحد الأمراء مقدمي الألوف بديار مصر. وأفرج عن الأمير نكباي من سجنه بقلعة دمشق، واستقر في نيابة طرسوس، وإحضار نائبها الأمير تاني بك إلى حلب. واستقر الأمير خليل الجشاري أحد أمراء الألوف بدمشق في الحجوبية بدمشق، عوضاً عن نكباي المذكور. واستقر الأمير سنقر المؤيدي نائب قلعة دمشق في الحجوبية بطرابلس، عوضاً عن الأمير سودن بن علي شاه بعد وفاته. واستقر الأمير كمشبغا التنمي في نيابة قلعة دمشق. واستقر الأمير أقبغا الأسندمري- الذي كان نائب سيس وحمص- حاجباً بحماة، وكان بطالاً بالقدس، عوضاً عن الأمير سودن السيفي علان، بحكم عزله واعتقاله. وفي سادس عشره: نقل عز الدين عبد العزيز البغدادي من تدريس الحنابلة بالجامع المؤيدي إلى قضاء الحنابلة بدمشق، واستقر عوضه في التدريس محب الدين أحمد بن نصر الله البغدادي، وخلع عليهما. وفي عشرينه: قدم الركب الأول من الحاج. وقدم الأمير التاج بالمحمل من الغد. وكتب بالإفراج عن الأمير برسباي الدقماقي الظاهري من قلعة المرقب، واستقراره في جملة الأمراء الألوف بدمشق. وفي هدا الشهر: أغاث الله الزروع في الوجه البحري، وأسقاها، فأخصبت بعد ما كانت جافة، فانحل السعر قليلاً. وفيه عز وجود القمح بالوجه القبلي، وبلغ الأردب المصري إلى دينارين، واقتاتوا بالذرة، وأكثروا من زراعتها، لسوء حالهم، وبوار أرضهم، وخراب قراهم، وقلة المواشي عندهم، حتى لقد صار اللبن عندهم طرفة من الطرف، فسبحان مزيل النعم. وفيه قدم الخبر بفتنة كانت في شهر رمضان ببلاد اليمن، ثار فيها حسين بن الأشرف على أخيه الناصر أحمد، وأنه عم بلاد اليمن جراد عظيم، أهلك زروعهم، فاشتد الغلاء عندهم. وفيه انتقض على السلطان ألم رجله، وتزايد، فلزم فراشه. شهر صفر، أوله الخميس: فيه عدى السلطان النيل، ونزل بناحية أوسيم على العادة في كل سنة، فقدم عليه بها في ثامنه رسول الأمير على باك بن قرمان، نائب لارندة، ونكدة، وقوينا، ومعه هدية وكتاب، يتضمن أنه أخذ مدينة قونيا، وأقام فيها الخطبة باسم السلطان، وضرب الصكة المؤيدية، وأنه محاصر قلعتها. وفي عشرينه: عدى السلطان النيل عائداً من سرحة أوسيم، فنزل في بيت كاتب السر على النيل، وبات به، وعمل الوقيد في ليلة الخميس ثاني عشرينه على ما تقدم. وأكثر فيه من النفط وإشعال النيران، فكانت ليلة مشهودة. وركب بكرة الخميس إلى القلعة. فقدم بالخبر بأن عذراً بن علي بن نعير بن حيار احتال حتى قبض الأمير أرغون شاه نائب الرحبة، وحمل إلى عانة. وأن قرا يوسف نادى في عسكره بالتأهب إلى المسير للشام. وفي سادس عشرينه: نزل السلطان إلى بيت الأمير أبو بكر الأستادار، يعوده وقد مرض، فقدم له تقدمة سنية. وفي ثامن عشرينه: عملت خدمة الإيوان بدار العدل، وأحضر برسل الأمير محمد كرجي بن عثمان صاحب برصا وهديته. وفيه سخط السلطان على صدر الدين بن العجمي المحتسب، لكلام نقل له عنه، فأخرجه من القاهرة إلى صفد، وكتب لوقيعه بكتابة السر بها، فخرج بعد الظهر، ونزل بتربة خارج باب النصر، ثم سار في يوم الجمعة آخره، وقد أزعج إزعاجاً غير لائق. شهر ربيع الأول، أوله السبت: فيه أمر السلطان برد صدر الدين بن العجمي فأعيد إلى القاهرة، وأنزل عند الأمير مقبل الدوادار إلى يوم الاثنين ثالثه، أصعد إلى القلعة، فرسم له بخلعة، فلبسها، واستقر في كتابة سر صفد. ونزل إلى بيت الأمير مقبل الدوادار، فشفع فيه ألطنبغا الصغير رأس نوبة، فقبل السلطان شفاعته. واستمر في حسبة القاهرة على عادته، ففرح الناس به فرحاً كبيراً لمحبتهم إياه، وبالغوا في إظهار السرور به، وكان السلطان قد تنكر على كاتب السر من أجل إخراج ابن العجمي من القاهرة بغير خلعة، ولم يمهله حتى يأخذ عياله معه. وبالغ في الإنكار عليه بسبب ذلك، وأسعه مكروهاً كبيراً، فنزل في يوم السبت إلى داره. وكانت عادته دائماً أن يبيت ليلة الأحد وليلة الأربعاء عند السلطان، فأشيع عزله، وركب الأعيان إليه يتزعمون له. فلما كان يوم الاثنين المذكور، ركب إلى القلعة، وباشر وظيفة كتابة السر، ونزل وفي ظنه أن ابن العجمي إنما لبس خلعة بكتابة سر صفد. فعندما رأى حوانيت الباعة بالقاهرة وقد أشعلوا الحوانيت بالقناديل والشموع فيمر ابن العجمي بخلعته عليهم، فرحا بأنه قد عاد إلى الحسبة، غضب ابن البارزي من ذلك، وأسمعهم مكروهاً. ومالت مماليكه على القناديل، فكسروا بعضها، وسبوا ولعنوا. فما كاد ابن البارزي يصل إلى بيته حتى شفع الأمير ألطنبغا الصغير في ابن العجمي، واستقر في الحسبة، وشق القاهرة وعليه الخلعة، فتزايد كلام الغوغاء في ابن البارزي، وجهروا مما يقبح ذكره. وفي يوم الثلاثاء رابعه: قدم شمس الدين محمد بن حمزة بن محمد بن الفنري الحنفي قاضي مملكة الأمير محمد كرشجي بن عثمان ببلاد الروم. وكان قد قدم دمشق في السنة الماضية، يريد الحج. فلما حج وعاد استدعاه السلطان ليستفهم منه أحوال البلاد الرومية، فتمثل بين يدي السلطان، فأكرمه وأنزله عند القاضي زين الدين عبد الباسط ناظر الخزانة، وأجريت عليه الإنعامات. وأمر أهل الدولة بإكرامه، فبعثوا إليه ما يليق به من الهدايا. وفي خامسه: ركب الأمير أبو بكر الأستادار إلى السلطان، وهو في شدة المرض بحيث لا يستطع القيام، ومعه خيول وسلاح وغير ذلك، مما تبلغ قيمته نحو ثلاثين ألف دينار، فخلع عليه، ونزل وقد اشتد به مرضه، فمات بعد أربعة أيام. وفي سادسه: خلع على ابن البارزي كاملية صوف بفرو سمور خلعة الرضا. وفي ليلة الجمعة سابعه: عمل المولد النبوي عند السلطان على عادته. وحضر الأمراء والقضاة ومشايخ العلم وأهل الدولة، ورسل ابن عثمان، وابن الفنري، وكان وقتاً جليلاً. وفي يوم الجمعة: أعيد داود ابن الأمير ناصر الدين محمد بك بن دلغادر بهدية إلى أبيه، وقصاد على باك بن قرمان، ومعهم فرس بقماش ذهب، وعدة تعابي في ثياب سكندري، وغيرها. وتوجه معه محمود العينتابي ناظر الأحباس، لتحليف نواب قلاع البلاد القرمانية وبلادها. وكتب إلى نواب الممالك، وإلى العربان والتراكمين، بالتهيؤ إلى ملاقاة السلطان، فإنه عزم على المسير لحرب قرا يوسف. وسبب ذلك قدوم كتاب قرا يوسف يتضمن أن السلطان يجهز إليه الجواهر- التي أخذها منه وهو مسجون بدمشق- كما هي، وإلا سار إليه وخرب البلاد وأخذها. وفي عاشره: توجه شمس الدين محمد الهروي إلى القدس، على ما كان عليه من تدريس الصلاحية فقط، دون نظر القدس والخليل. وفي يوم الخميس ثالث عشره: خلع على الأمير يشبك أينالي المؤيدي، واستقر في الأستادارية، عوضاً عن الأمير أبي بكر بعد وفاته، وكان قد استقر قبلها في كشف الجسور بالغربية، وعزل عنها، وخلع على الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله خلعة الاستمرار في الوزارة ونظر الخاص. وفي سابع عشره: أضيف إلى صاحب بدر الدين بن نصر الله أستادارية المقام العالي الصارمي إبراهيم ابن السلطان، وخلع عليه عوضاً عن الأمير أبي بكر المتوفي. وأنعم على ولده الأمير صلاح الدين محمد الحاجب بإمرة طبلخاناه. وفي ثاني عشرينه: سافر ابن الفنري قاضي الروم بلاده، بعد ما ألقى عدة دروس في الفقه والأصول بالجامع الباسطي من القاهرة، وجهزه السلطان وأهل الدولة جهازاً جليلاً، فسار بتجمل كبير. وفي رابع عشرينه: قدم قاصد الأمير شاه رخ أمير زه بن تيمورلنك. وفي سابع عشرينه: نزل السلطان إلى جامعة بجوار باب زويلة، وحضر دروس المشياخ كلهم، فكان يجلس في كل حلقة قليلاً، والمدرس يلقى درسه. ثم يقوم إلى الحلقة الأخرى، حتى طاف الحلق السبع، وعاد إلى القلعة. وفي هذا الشهر: عزم السلطان على السفر لقتال قرا يوسف. وأخذ في الأهبة لذلك، وأمر الأمراء به فشرعوا في ذلك. شهر ربيع الآخر، أوله الاثنين: فيه وقع الشروع في بناء منظرة على الخمس وجوه بجوار التاج خارج القاهرة، لينشئ السلطان حولها بستاناً جليلاً، ويجعل ذلك عوضاً عن قصور سريا قوس، ويسرح إليها كما كانت سرحة سريا قوس. وفي خامسه: سافر قاضي القضاة علاء الدين علي بن مغلي الحنبلي إلى مدينته لينظر في أحواله، واستخلف على قضاء القضاة بعض ثقاته. وفي ثالث عشره: ابتدأ بالسلطان ألم تجدد له من حبس الإراقة، مع ما يعتريه من ألم رجله. وفي سابع عشره: صرف الصاحب بدر الدين بن نصر الله من أستادارية ابن السلطان. وأقيم بدله جمال الدين يوسف بن خضر بن صاروجا المعروف بالحجازي، وأصله من الأكراد، وقدم القاهرة، وترقى حتى عمل أستادارية الأمراء في الأيام الناصرية فرج. وتمكن عند الأمير طوغان الحسني الدوادار تمكناً زائداً، فعظم قدره. ثم لما قبض على طوغان فر إلى مكة، وأقام بها مدة. ثم حضر إلى القاهرة وباشر الدواليب السلطانية بالوجه القبلي زماناً، فنكبه الأمير فخر الدين عبد الغني بن أبي الفرج، وعاقبه وصادره، ثم أفرج عنه فلزم داره حتى الأمير أبو بكر الأستادار، سعى جمال الدين يوسف في الأستادارية، فأخرق به الصاحب بدر الدين بن نصر الله، وأراد القبض عليه، فلم يمكنه السلطان منه، وعنى به، ثم ولاه بعد ذلك أستادارية ولده. وفي ثاني عشرينه: اشتد بالسلطان الألم وتزايد به إلى يوم الأربعاء رابع عشرينه، نودي في القاهرة بإبطال مكس الفاكهة البلدية والمجلوبة، وهو في كل سنة نحو ستة آلاف دينار سوى ما يأخذه القبط الكنبة والأعوان- ويقارب ذلك- فبطل، ونقش ذلك على باب الجامع المؤيدي. وفي هذا الشهر: كثر الوباء بالإسكندرية والبحيرة، وكثر الإرجاف بحركة قرا يوسف إلى جهة البلاد الشامية. شهر جمادى الأولى، أوله الأربعاء: وفي ثانيه: ركب السلطان- وقد أبل من مرضه- إلى خارج القاهرة وعبر من باب النصر، وقد زينت المدينة فرحاً بعافيته، وأشعلت الشموع والقناديل، فمر إلى القلعة. وفي هذه الأيام: مرض المقام الصارمي إبراهيم ابن السلطان، فركب في يوم الثلاثاء رابع عشره من القلعة في محفة، لعجزه عن ركوب الفرس، ونزل إلى بيت زين الدين عبد الباسط المطل على البحر، وأقام به. ثم ركب النيل في غده إلى الخروبية بالجيزة وأقام بها: وقد تزايد مرضه. وفي ثان عشرينه: ركب السلطان إلى الخمس وجوه، فشاهد ما عمل هناك ورتب ما اقتضاه نظره من كيفية البناء، وعاد إلى بيت صلاح الدين خليل بن الكوب ناظر الديوان المفرد، المطل على بركة الرطلي خارج باب الشعرية، فأقام عنده نهاره وعاد من آخره إلى القلعة، وقدم له ابن الكويز تقدمة تليق به سوى ما أعده له من المآكل والمشارب. وفي يوم السبت خامس عشرينه: خلع على الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان البساطي شيخ الخانكاة الناصرية فرج، بتربة أبيه الظاهر برقوق خارج باب النصر، واستقر قاضي القضاة المالكية بالقاهرة ومصر، بعد وفاة جمال الدين عبد الله بن مقداد الأقفهسي، فاقتصر من نواب الحكم على أربعة، ثم زادهم بعد ذلك. وفي يوم الأربعاء آخره: نزل السلطان إلى الميدان الكبير الناصري. بموردة الجبس. وكان قد خرب وأهمل أمره، منذ أبطل السلطان الملك الظاهر برقوق الركوب إلي ولعب الكرة فيه، وتشعثت قصوره وجدرانه، وصار منزلاً لركب المغاربة الحجاج فرسم السلطان لصاحب بدر الدين بن نصر الله بعمارته في هذا الشهر، فعمره أحسن عمارة. فعندما شاهده السلطان أعجب به، ومضى منه إلى بيت ابن البارزي كاتب السر المطل على النيل، ونزل به، وقد تحول المقام الصارمي من الحروبية بالجيزة إلى المنظرة الحجازية، وهو بحاله من المرض، فزاره السلطان غير مرة، وأنزل بالحريم إلى بيت كاتب السر، فأقاموا به عنده. شهر جمادى الآخرة، أوله الجمعة: فيه صلى السلطان الجمعة بجامع ابن البارزي، الذي جدد عمارته، تجاه بيته. وكان يعرف قبل ذلك بجامع الأسيوطي. وخطب به وصلى شيخ الإسلام قاضي القضاة جلال الدين البلقيني، وركب من الغد إلى الميدان، فعمل به الخدمة، وتوجه إلى القلعة. وفيه نودي أن لا يتحدث في الأمور الشرعية إلا القضاة، ولا يشكو أحد غريمه على دين لأحد من الحجاب. وسبب ذلك أن القاضي زين الدين عبد الرحمن التفهني الحنفي رفع على رجل في مجلسه من أجل دين لزمه، فاحتمى ببيت الأمير ألطنبغا المرقبي- حاجب الحجاب- وامتنع عن الحضور إلى بيت القاضي. وضرب الحاجب رسوله ضرباً مبرحاً. فلما أعلم القاضي بهذا السلطان، أنكر على المرقبي. ووبخه على ما فعل ونادى. مما تقدم ذكره؛ فسعى الأمراء في نقض ذلك حتى نودي في يوم الاثنين رابعه- بعد يومين- بعود الحكم إلى الحجاب، وضرب من جهر بالنداء. وفي سادسه: نزل السلطان إلى بيت كاتب السر على النيل، وأقام به. وفي سابعه: أخذ قاع النيل، فكان ثلاثة أذرع سواء، ونودي عليه من الغد. وفي يوم السبت تاسعه: ركب السلطان إلى الميدان وعمل به الخدمة، وصعد إلى القلعة. وفي حادي عشره: ضرب الأمير علاء الدين علي بن الطبلاوي والي القاهرة بالمقارع، بين يدي السلطان. ونزل وهو عاري البدن على حمار إلى بيت شاد الدواوين، ليستخلص منه مالاً. وخلع على ناصر الدين محمد بن أمير أخور واستقر والي القاهرة ومصر وقليوب. وفي يوم الأربعاء ثالث عشره: حمل المقام الصارمي إبراهيم ابن السلطان على الأكتاف من الحجازية إلى القلعة، لعجزه عن ركوب المحفة، فمات ليلة الجمعة خامس عشره. ودفن من الغد باب مع المؤيدي. وشهد السلطان دفنه، مع عدم نهضته للقيام، وإنما يحمل على الأكتاف حتى يركب، ثم يحمل حتى ينزل، وأقام السلطان بالجامع إلى أن صلى الجمعة، فصلى به ابن البارزي، وخطب خطة بليغة. ثم عاد إلى القلعة. وأقام القراء يقرأون القرآن على قبره سبع ليال. وفي ثامن عشره: توقف النيل عن الزيادة، وتمادى على ذلك أياماً. فارتفع سعر الغلال، وأمسك أربابها أيديهم عن بيعها، وكثر قلق الناس، ثم نودي فيهم أن يتركوا العمل. بمعاصي الله، وأن يلتزموا الخير. ثم نودي في ثاني عشرينه أن يصوموا ثلاثة أيام، ويخرجوا إلى الصحراء، فأصبح كثير من الناس صائماً، وصام السلطان أيضاً. فنودي بزيادة إصبع مما نقصه، ثم نودي من يوم الأحد غده أن يخرجوا غداً إلى الجبل وهم صائمون، فبكر في يوم الاثنين خامس عشرينه شيخ الإسلام قاضي القضاة جلال الدين البلقيني، وسار من منزله راكباً بثياب جلوسه في طائفة، حتى جلس عند فم الوادي، قريباً من قبة النصر، وقد نصب هناك منبر، فقرأ سورة الأنعام، وأقبل الناس أفواجاً من كل جهة، حتى كثر الجمع، ومضى من شروق الشمس نحو ساعتين أقبل السلطان. بمفرده على فرس، وقد تزيا بزي أهل التصوف، فاعتم. بمئزر صوف لطيف، ولبس ثوب صوف أبيض، وعلى عنقه شملة صوف مرخاة، وليس في سرجه- ولا شيء من قماش فرسه- ذهب ولا حرير، فأنزل عن الفرس، وجلس على الأرض من غير بساط ولا سجادة، مما يلي يسار المنبر، فصلى قاضي القضاة جلال الدين ركعتين كهيئة صلاة العيد، والناس من ورائه يصلون بصلاته. ثم رقي المنبر، فخطب خطبتين، حث الناس فيهما على التوبة والاستغفار، وأعمال البر، وفعل الخير، وحذرهم، ونهاهم. وتحول فوق المنبر فاستقبل القبلة، ودعا فأطال الدعاء، والسلطان في ذلك يبكي وينتحب، وقد باشر في سجوده التراب بجهته. فلما انقضت الخطبة انفض الناس، وركب السلطان فرسه، وسار والعامة محيطة به من أربع جهاته، يدعون له، حتى صعد القلعة، فكان يوماً مشهوداً، وجمعًا موفورًا. وفي مشاهدة جبار الأرض على ما وصفت، ما تخشع منه القلوب، ويرجى رحمة جبار السماء، سبحانه. ومن أحسن ما نقل عنه في هذا اليوم. أن بعض العامة دعا له، حالة الاستسقاء أن ينصره الله، فقال: اسألوا فإنما أنا واحد منكم،. فلله دره، لو كان قد أيد بوزر أصدق وبطانة خير، لما قصر عن الأفعال الجميلة بل إنما اقترن به فاجر جريء، أو خب شقي. وفي غده، يوم الثلاثاء: نودي على النيل بزيادته اثني عشر إصبعا، بعدما رد النقص وهو قريب من سبع وعشرين إصبعاً، فتباشر الناس باستجابة دعائهم، ورجوا رحمة الله وقدم الخبر بنزول قرا يوسف على بغداد، وقد عصاه ولده شاه محمد فحاصره ثلاثة أيام، حتى خرج إليه، فأمسكه واستصفى أمواله، وولى عوضه ابنه أصبهان أمير زاة ثم عاد إلى تبريز لحركة شاه رخ بن تمرلنك عليه. وفي تاسع عشرينه: خلع على الأمير مقبل الدوادار، والقاضي ناصر الدين محمد بن البارزي كاتب السر، بنظر الجامع المؤيدي، فنزلا إليه، وتفقدا أحواله. شهر رجب، أوله السبت: في ثالث عشره: أدير محمل الحاج على عادته، وفي نصفه: استدعى السلطان بخلعة لكاتب سر صفد، وبعثها إلى الأمير مقبل الدوادار، وأمر أن يطلب صدر الدين أحمد بن العجمي محتسب القاهرة إلى داره، ويلبسه الخلعة، ويخرجه إلى صفد، فأحضره في الحال، وألبسه الخلعة، وأمره بالتوجه من القاهرة إلى صفد، فتوجه إلى داره، وانجمع عن التحدث في الحسبة، وأخذ يسعى في الإقامة في القاهرة بطالاً. فرسم السلطان أن يخرج إلى القدس بطالا، فسار في يوم الثلاثاء ثامن عشره. وفي يوم الاثنين سابع عشره: نزل السلطان إلى بيت كاتب السر المطل على النيل، ليقيم به على عادته، ونزل الأمراء بالدور من حوله. وصارت الخدمة تعمل هناك. وفي يوم الأربعاء تاسع عشره: سبح السلطان في النيل مع خاصته، من بيت كاتب السر إلى منية السيرج، ثم عاد في الحراقة، وكثر التعجب من قوة سبحه مع زمانة رجله، وعجزه عن القيام، لكنه يحمل على الأكتاف، ويمشي به، أو يوضع على ظهر الفرس، ثم يحمل، وينزل عنها. ولما أراد السباحة أقعد في تخت من خشب، وأرخي من أعلا الدار بحبال إلى الماء، فلما عاد رفع به في التخت كذلك، حتى جلس على مرتبته. فنودي من الغد يوم الخميس، بزيادة ثلاثين إصبعاً، ولم يزد في هذه السنة مثلها جملة، فتيامن الناس بعوم السلطان، وعدوا ذلك من حملة سعادته. ومن صحة عقيدته أنه لما بلغه قول العوام أن النيل زاد هذه الزيادة البالغة لكونه سبح فيه، فقال: لو علمت أن ذلك يقع لما سبحت فيه، لئلا يضل العوام بذلك. وفي عشرينه: خلع على صارم الدين إبراهيم ابن الوزير ناصر الدين محمد بن الحسام الصقري بوظيفة حسبة القاهرة، عوضاً عن صدر الدين بن العجمي فباشرها وهو يتزيا بزي الجند، وقد التزم بحمل ألف دينار، يجبيها من الباعة ونحوهم، فلم تحمد مباشرته. وفي يوم الجمعة حادي عشرينه: ركب السلطان النيل للنزهة به، فزار الآثار النبوية، وبر من هناك من الفقراء بمال، ثم توجه إلى المقياس بالروضة، فصلى الجمعة بجامع المقياس، ورسم بهدمه وبنائه، وتوسعته، وترميم بناء رباط الآثار النبوية أيضاً. ثم ركب من الجزيرة الوسطى إلى الميدان الناصري، وبات به. وركب من الغد يوم السبت إلى القلعة. وفيه قدم البدر محمود العينتابي ناظر الأحباس من بلاد ابن قرمان، فخلع عليه. وفي ثالث عشرينه: وجد بكرة النهار خارج القاهرة فرسان، فقيدا إلى بيت الأمير يشبك الأستادار، فعرفا أنهما من خيل ابن العجمي المحتسب، وذلك أنه نزل بلبيس يوم السبت أمسه، وفقد منها عشاء. فارتجت القاهرة بأنه قتل وخرج نساءه مسبيات يصحن صعدن القلعة إلى السلطان، ووجهوا التهمة بقتله إلى ابن البارزي كاتب السر، فأنكر السلطان أن يكون قتل، وقال: هذه حيلة عملها، وقد اختفي بالمدينة، ثم بعث للكشف عن قتله من أرباب الأدراك فلم يوقف به على خبر. ونودي في سابع عشرينه بتهديد من أخفاه عنده، وترغيب من أحضره. فظهر في آخر النهار أنه بعث إلى أهله كتاباً يتضمن أنه من خوفه على نفسه مضى على وجهه. فطلب زوج ابنته، وعوقب على إحضاره، ثم سجن. وفيه قدم الخبر بأن الأمير علمان بن طر علي قرايلك كبس على بير عمر، حاكم أرزنكان من قبل قرا يوسف، وأمسكه وقيده، هو وأربعة وعشرين من أهلة وأولاده، وقتل ستين رجلاً، وغنم شيئاً كثيراً. شهر شعبان المكرم، أوله الاثنين: فيه وصل رأس بير عمر حاكم أرزنكان، وكان السلطان قد كتب محاضر وفتاوي بكفر قرا يوسف وولده حاكم بغداد، فأفتى مشايخ العلم بوجوب قتاله. ورسم للأمراء بالتهيؤ للسفر، وحملت إليهم النفقات، فوقع الشروع في تجهيز أمور السفر. ونودي في رابعه، وقد ركب الخليفة والقضاة الأربع بنوابهم، وبين يديهم بدر الدين حسن البرديني أحد نواب الحكم الشافعية، وهو راكب يقرأ من ورقة استنفار الناس لقتال قرا يوسف، وتعداد قبائحه ومساوئه، فاضطرب الناس، وكثر جزعهم. وفيه ادعى على الأمير ناصر الدين محمد بن أمير أخور والي القاهرة بأنه قتل رجلا وسطه بالسيف نصفين بغير موجب شرعي. وأقيمت البينة بذلك بحضرة القضاة، وهم بين يدي السلطان، فحكم بقتله، فأخذ ووسط في الموضع الذي وسط فيه المذكور. وخلع فيه على الأمير ناصر الدين محمد، ويعرف ببكلمش بن فرى نائب الوجه البحري وابن والي العرب، واستقر والي القاهرة، عوضاً عن ابن أمير أخور، على مال كبير التزم بحمله مما يجبيه من مظالم العباد، فباشر مباشرة سيئة، وركبته الديون، وهان أمره على العامة، لعدم حرمته، حتى كان أحد المقدمين أحشم منه. وصار الناس يلقبونه قندوري؛ لأنه أراد أن يقول قباي فغلط وقال قندوري، فنقبت عليه، وهو بزي النساء أشبه منه بالرجال. وفي يوم الاثنين ثامنه- وخامس عشرين مسرى-: كان وفاء النيل، فركب السلطان إلى المقياس، وفتح الخليج على العادة، ثم عاد إلى قلعة. وفي يوم الجمعة ثاني عشره: عقد للأمير الكبير ألطنبغا القرمشي على خوند ستيتة- ابنة السلطان- بصداق مبلغه خمسة عشر ألف دينار هرجة، بالجامع المؤيدي، بحضرة القضاة والأمراء والأعيان. وفي يوم السبت ثالث عشره: برز الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي إلى الربدانية خارج القاهرة، ومعه من الأمراء ألطنبغا الصغير رأس نوبة، وطوغان أمير أخو، وجلبان المؤيدي أحد مقدمي الألوف، وألطنبغا المرقي حاجب الحجاب، وجرباش الكريمي رأس نوبة، وأقبلاط السيفي دمرداش، وأزدمر الناصري من مقدمي الألوف، ليتوجهوا إلى حلب، خشية حركة قرا يوسف. وفيه نزل السلطان إلى بيت كاتب السر على النيل، فأقام به يوم الثلاثاء سادس عشره، توجه إلى الميدان لعرض المماليك السلطانية الرماحة. وعاد من آخره على ظهر النيل. ثم ركب إلى الميدان نهار السبت، وبات به. وتوجه نهار الأحد، فزار الآثار النبوية، وكشف عمارة جامع المقياس بالروضة. وعاد إلى الميدان، فبات به. وعرض الرماحة في يوم الاثنين. ثم راجع زيارة الآثار النبوية في يوم الثلاثاء. وعاد إلى مخيمه بالجزيرة الوسطى، فأقام يومه ومعه الأمراء ومباشروه، فأكلوا وشربوا القمز. وعاد إلى الميدان، فبات به ليلتين ثم رجع إلى بيت كاتب السر في يوم الخميس، فبات به وصلى الجمعة بجامع كاتب السر. ثم توجه إلى الميدان، فبات به، وركب إلى القلعة بكرة السبت سابع عشرينه. وكان صائماً في رجب وشعبان، لم يفطر فيهما إلا نحو عشرة أيام. شهر رمضان المعظم، أوله الثلاثاء: أهل، وقد انتفض على السلطان ألم رجله. وفي رابع عشره: خلع السلطان على الصاحب تاج الدين عبد الرازق الهيضم واستقر في نظر الديوان المفرد، بعد موت صلاح الدين خليل بن الكويز. وقدم الخبر من غزة أن في ليلة الأربعاء ثالثه ذبح جمل بسوق الجزارين، وعلق لحمه في داخل بيت الجزار، فأضاء اللحم كما يضيء الشمع إذا أشعل فيه النار، فأخذ منه قطعة فأضاءت. بمفردها، فقطعوه قطعاً فأضاءت كل قطعة منه، فأخذوه بجملته ودفنوه من غير أن يأكل أحد منه شيئاً، إلا أن رجلاً قطع منه قطعة لحم وهي تضيء، وتركها عنده إلى أن أصبح وألقاها لكلب. فلم يأكلها وتركها. وكان لحم هذا الجمل بحيث لو أخذ منه زنة درهم لأضاءت كأنها النجم. وشاهد هذا جماعة لا يحصى عددهم. وانتهت زيادة النيل في ثالث بابة إلى ثمانية عشر ذراعاً وثلاثة أصابع، وابتدأ النقص من خامس بابة. وفي هذا الشهر: ابتدأ مرض القاضي ناصر الدين محمد بن البارزي، كاتب السر. شهر شوال، أوله الأربعاء: فيه صلى السلطان صلاة العيد بالقصر الكبير من القلعة، عجزاً عن المضي إلى الجامع. وفي رابعه: ركب السلطان في المحفة إلى منظرة الخمس وجوه التي استجدها، وقد كملت، ثم عاد من يومه. وفي يوم الأربعاء خامس عشره: تنكر السلطان على الوزير الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله، وضربه ببين يديه ضرباً مبرحاً. ثم أمر به فنزل إلى داره على وظائفه. هذا والسلطان مريض. وفي يوم الاثنين عشرينه: أرجف بموت السلطان، فاضطرب الناس، ونقلوا ثيابهم خوفاً من الفتنة أن تثور ثم أفاق فسكنوا. وفيه خرج محمل الحاج إلى الريدانية، والحجاج على تخوف من النهب. وفيه طلب القضاة والأمراء، وجلس السلطان، فعهد إلى ولده الأمير أحمد بالسلطة من بعد. ومولده في ثاني جمادى الأولى من السنة الماضية، وله من العمر سبعة عشر شهراً وخمسة أيام، وجعل الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي القائم بأمره، وأن يقوم بتدبير الدولة حتى يحضر القرمشي من حلب الأمراء الثلاثة وهم: قجقار القردمي، وتنبك ميق، وططر. وحلف الأمراء على ذلك، ثم حلف المماليك من الغد. وفي يوم السبت خامس عشرينه: خلع على كمال الدين محمد بن ناصر الدين محمد بن البارزي، واستقر في كتابة السر، بعد وفاة أبيه، على مبلغ أربعين ألف دينار، يحملها، وكان صدر الدين أحمد بن العجمي لم يزل مختفياً حتى مات ناصر الدين محمد بن البارزي، فظهر، وعند جمهور الناس أن ابن البارزي ناصر الدين محمد كاتب السر هو الذي قتله، فشفع فيه بعض الأمراء، وكان السلطان في شغل بمرضه عنه، فقبل شفاعته، ورسم أن يقيم بداره من القاهرة، فلزم داره، وظهرت براءة ابن البارزي. وفي سابع عشرينه: خلع على بدر الدين محمد بن محمد بن أحمد بن مزهر الدمشقي، ناظر الإصطبل، واستقر في نيابة كتابة السر، عوضاً عن كمال الدين بن البارزي المنتقل لكتابة السر. وفي تاسع عشرينه: دخل السلطان الحمام، وقد تناقص ما به من الأمراض فنودي بالزينة، فزينت القاهرة ومصر، وفرق مال في الناس من الفقهاء والفقراء. وفي هذا الشهر: أعاد قاضي القضاة شمس الدين محمد البساطي المالكي نواب الحكم الذين كانوا يلون عمن قبله، واستناب زيادة عليهم عدة من إلزامه. شهر ذي القعدة أوله الجمعة: فيه ظهرت دخيرة لناصر الدين محمد بن البارزي، فيها نحو من سبعين ألف دينار، أخذها السلطان. وفي رابعه: ركب السلطان وشق القاهرة من باب زويلة، وخرج من باب القنطرة فنزل بمنظرة الخمس الوجوه إلى يوم الأربعاء سابعه عاد من باب القنطرة، وشق القاهرة بثياب جلوسه، حتى صعد القلعة. وفي تاسعه: ركب السلطان إلى المنظرة أيضاً، وبات بها، وتصيد من الغد ببر الجيزة، وأقام هناك. وفيه نزل زين الدين عبد الباسط، ومرجان الهندي الخازندار إلى بيت الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله، وقد لزم الفراش من يوم ضرب، وأخذا منه خزانة الخاص وسلمت للطراشي مرجان المذكور، فتحدث في نظر الخاص عن السلطان من غير أن يخلع عليه، ولا كتب له توقيع، وأنفق من غده عن كسوة المماليك السلطانية نحو ثمانية آلاف دينار. وفي يوم الثلاثاء ثاني عشره: عاد السلطان في المحفة إلى القلعة. وفي رابع عشره: خلع على الصاحب بدر الدين بن نصر الله خلعة الرضا، واستمراره في الوزارة والإمرية. وفيه قرئ توقيع كمال الدين محمد بن البارزي بكتابه السر في الجامع المؤيدي بحضرة الأمراء والقضاة وأرباب الدولة والأعيان. ولم يقرأ قبله توقيع كاتب السر. وفي خامس عشره: ركب السلطان إلى منظرة الخمس الوجوه، وأقام بها إلى سابع عشره، ثم عاد إلى القلعة، وركب في يوم الأربعاء عشرينه بثياب جلوسه، وعبر من باب زويلة، وشق القاهرة حتى خرج من باب القنطرة إلى المنظرة، فأقام بها إلى يوم الجمعة، وعدى النيل إلى الجيزة، يريد صرحة البحيرة. وخرج الناس على عادتهم بعد ما نزل في يوم الجمعة هذا بدار على شاطئ نيل مصر، وعبر الحمام بجوار الجامع الجديد. ثم خرج إلى الجامع المذكور وصلى به الجمعة. ثم ركب النيل، وهو في هذا كله يحمل على الأكتاف. وفي هذا الشهر: فقد لحم الضأن من أسواق القاهرة عدة أيام، وعز وجرد لحم البقر، ثم أبيع لحم الضأن بعشرة دراهم الرطل، بعد سبعة، ثم أبيع بتسعة. وفيه قتل العربان كاشف البهنسي، لكثرة ظلمه وفسقه، وشدة تعديه وعتوه، فلم يؤخذ له بثأر. شهر ذي الحجة، أوله السبت: في ثامنه: عاد السلطان من السرحة، بعد ما انتهى إلى الطرانة. وقد اشتد به المرض، وأفرط الإسهال، فارجف بموته، وكادت تكون فتنة. ثم ركب النيل منها عجزاً عن الركوب في المحفة، حتى نزل منبابة، فأقام بها حتى نحر قليلا من ضحاياه، ثم ركب النيل آخر يوم النحر إلى بيت كاتب السر المطل على النيل، وبات به. ثم صعد القلعة في المحفة يوم الثلاثاء حادي عشره، وهو شديد المرض من الإسهال، والزحير والحصاة، والحمى، والصداع، والمفاصل. وفي ثامن عشره: قدم كتاب سليمان صاحب حصن كيفا، يتضمن موت قرا يوسف في رابع عشر ذي القعدة، مسموماً، فيما بين السلطانية وتوريز، وهو متوجه إلى قتال شاه رخ بن تيمورلنك. وفي ثامن عشرينه: قدم مبشرو الحاج. وفي يوم السبت تاسع عشرينه: أرجف بموت السلطان. وفيه أثبت عهد الأمير أحمد ابن السلطان، على قاضي القضاة زين الدين عبد الرحمن التفهني الحنفي، بالسلطنة. ثم نفذ على بقية القضاة، فكثر الاضطراب في الناس، وتوقعوا الفتنة، واشتد خوف خواص السلطان، ونقلوا ما في دورهم. .ومات في هذه السنه ممن له ذكر: ومات صاحبنا ناصر الدين محمد بن مبارك الطازي، أخو الخليفة المستعين بالله لأمه. ونعم الرجل كان. ومات محب الدين محمد بن الخضري الأسلمي، أحد كتاب القبط، في عاشر ربيع الآخرة. وكان نصرانياً، وأسلم عن قريب، على يد الأمير فخر الدين الأستادار، فسماه محمداً كما تقدم، ولقبه محب الدين. ومات قاضي القضاة جمال الدين عبد الله بن مقداد بن إسماعيل الأقفهسي المالكي، في رابع عشر جمادى الأولى عن نحو ثمانين سنة- وقد ولى قضاء القضاة المالكية مرتين، الأولى في الأيام الناصرية فرج، بعد موت نور الدين علي بن يوسف بن جلال، في ثالث عشر جمادى الآخرة، سنة ثلاث وثمانمائة، فأقام أربعة أشهر وعشرة أيام، وصرف في ثالث عشرين شهر رمضان بابن خلدون. ثم ولي ثانياً، فأقام خمس سنين وثمانية أشهر ويومين، ومات وهو قاض، وكان فقيهاً، بارعاً في الفقه. أخذ عن الشيخ خليل. وناب في الحكم عن العلم سليمان البساطي من سنة ثمان وسبعين وسبعمائة إلى أن استبد بالقضاء. ودرس بالقمحية وغيرها. وعرف بالستر والصيانة وصار المعول على فتاويه مدة سنين. ومات شمس الدين محمد بن محمد بن حسين البرقي الحنفي، أحد نواب الحكم الحنفية، في سابع جمادى الآخرة. وكانت سيرته ذميمة. ومات الشيخ علي كهنفوش: صاحب الزاوية تحت الجبل الأحمر. وكان مشكور السيرة، محمود الطريقة، له حظ من الأتراك. ومات صلاح الدين خليل بن زين الدين عبد الرحمن بن الكويز، ناظر الديوان المفرد، في عاشر رمضان. ومات ناصر الدين محمد بن كمال الدين محمد بن عثمان بن محمد بن عبد الرحيم ابن إبراهيم بن المسلم بن هبة الله بن حسان بن محمد بن منظور بن أحمد بن البارزي، الجهني، الحموي، الشافعي، الفقيه، الأديب، النحوي، كاتب السر، في يوم الأربعاء ثامن شوال، ودفن على ولده الشهابي أحمد تجاه قبر الإمام الشافعي بالقرافة. ومات الصاحب كريم الدين عبد الله بن شاكر بن عبد الله بن غنام، في سابع عشرين شوال، وقد أناف على المائة، وحواسه سليمة، وزر مرتين، وأنشأ مدرسة بجوار الجامع الأزهر من القاهرة. ومات قرا يوسف بن قرا محمد بن بيرم خجا، صاحب بغداد وتبريز، في رابع عشر ذي القعدة. وقتل ملك المغرب صاحب فاس، السلطان أبو سعيد عثمان ابن السلطان أبي العباس أحمد ابن السلطان أبي سالم إبراهيم ابن السلطان أبي الحسن علي بن عثمان بن يعقوب ابن عبد الحق المريني، في ليلة الثالث عشر من شوال، قتله وزيره عبد العزيز اللباني، وأقام عوضه ابنه أبا عبد الله محمد. وكانت مدته ثلاثاً وعشرين سنة، وثلاثة أشهر، وأياماً، خربت فيها فاس وأعمالها، وذلت بنو مرين، واتضع ملكها، وتلاشى، وفي ذي الحجة سار أبو زيان محمد بن أبي طريق محمد ابن السلطان أبي عنان من تازي. وكان ابن الأحمر قد بعث به من الأندلس لأخذ فاس، فنزل عليها وبايعه الشيخ يعقوب الحلفاوي الثائر بمدينة فاس، بمن اجتمع معه من أهل البلد، وقاتلوا اللباني أربعة أشهر.
|